الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المناظر **
غلط البصر في القياس من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. البعد فأما كيف يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال فكالمبصر الذي يدرك سواد الليل فارسين أو راجلين أو بهيمتين مجتازتين على مسافتين معترضتين للبصر ويكون أحدهما متأخراً عن الآخر ويكون بعدهما عن البصر بعداً مقتدراً ومن اعاد المعتدلة ويكون أحدهما أقرب إلى البصر من الآخر ولا يكون الاختلاف الذي بين بعديهما متفاوتاً فإن البصر إذا أدرك شخصين على هذه الصفة في سواد الليل فإنه يدرك التفرق الذي بينهما بحسب ما يقتضيه تأخر أحدهما عن الآخر ويدركهما كأنهما متحركان على مسافة واحدة معترضة ولا يدرك الاختلاف الذي بين بعديهما إذا لم يكن أقربهما شديد القرب من البصر. فلذلك لأن البصر إنما يدرك اختلاف أبعاد المبصرات إذا أدرك مقادير أبعاد تلك المبصرات وأدرك زيادة بعضها على بعض وإذا كان أحد البعدين يشبه الأخر. ومقادير أبعاد المبصرات إنما يدركها البصر إذا كانت أبعادها تسامت أجساماً مرتبة متصلة وكان البصر يدرك تلك الأجسام ويدرك مقاديرها. وإذا أدرك البصر المبصرين اللذين بهذه الصفة في سواد الليل فليس يدرك سطح الأرض المتوسط بينه وبينهما إدراكاً صحيحاً ولا يتحقق مقداره من أجل ظلمة الليل. وإذا لم يدرك سطح الأرض في تلك الحال إدراكاً صحيحاً ولم يتحقق مقدار المسافة التي بينه وبين ذينك المبصرين فليس يدرك زيادة بعد أحدهما على الآخر ولا يدرك اختلاف بعديهما. وإذا لم يدرك اختلاف بعديهما فإنه يظنهما متحركين على مسافة واحدة معترضة وإن بعديهما عنه متساويان وليس بين بعديهما اختلاف يعتد به ولا يفرق بين بعد أبعدهما وبين بعد أقربهما. وإذا أدرك البصر الشخصين المختلفي البعد كأنهما متساويا البعد فهو غالط في بعد كل واحد منهما أو في بعد أحدهما وغالط في تساوي بعديهما. والغلط في البعد وفي تساوي البعدين هو غلط في القياس لأن البعد وتساوي الأبعاد إنما يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال بالنقصان المفرط. لأن وجه الأرض في الليل مظلم وفيه مع ذلك ضوء يسير إذا كان منكشفاً للسماء وليس هو مظلماً بالكلية لأن المواضع المظلمة بالكلية هي المواضع المحتجبة عن السماء كدواخل البيوت ودواخل المغائر فأما المواضع المنكشفة للسماء فإن فيها ضوءاً يسيراً وه وضوء السماء و الكواكب. فإذا أدرك البصر الشخصين اللذين وصفناهما في سواد الليل فهو يدركهما ولا يدرك الاختلاف الذي بين بعديهما لأنه لا يدرك مقدار سطح الأرض المتوسطة بينه وبينهما ولا يتحقق مقداره للإفراط في نقصان الضوء الذي على وجه الأرض. وإنما يدرك الشخصين اللذين على هذه الصفة لتفرقهما وظهور السماء من ورائهما. فإذا أدرك البصر الشخصين اللذين على هذه الصفة في ضوء النهار وكان بعد أبعدهما من الأبعاد المعتدلة فإنه يدرك البعد الذي بينه وبين كل واحد منهما ويدرك اختلاف بعديهما ولا يعرض له الغلط في بعديهما إذا كانت المعاني التي فيهما التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه في عرض الاعتدال. الوضع وقد يعرض الغلط في وضع المبصر أيضاً من أجل خروج الضوء الذي فيه عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الذي يدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة وليس فيه إلا ضوء بسير إذا كان سطحه مائلاً على خطوط الشعاع ميلاً ليس بالمتفاوت وكان مع ذلك صغير المقدار فإن البصر لا يدرك ميله بل يدركه كأنه مواجه كما يدرك المبصرات المواجهة. وذلك أن المبصر إذا أدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة فليس يدرك صورته إدراكاً محققاً وكان مع ذلك صغير الحجم وكان سطحه مظلماً ليس فيه إلا ضوء يسير فإنما يدرك منه ظلمة فقط ولا تتميز له هيئة وضعه ولا يحس بميله وإنما يدركه مقابلاً له فقط فهو يدركه كما يدرك المبصرات المواجهة وليس يفرق بينه وبين المبصر المواجه. وإذا لم يفرق البصر بين وضع المبصر المائل وبين وضع المواجه فهو غالط في وضعه. الشكل وكذلك أيضاً إذا أدرك المبصر البصر في موضع مغدر أو في سواد الليل وكان شكل المبصر شكلاً مضلعاً كثير الأضلاع وكان ذلك المبصر صغير المقدار وكانت أقطاره مع ذلك متساوية فإن البصر يدرك ذلك المبصر مستديراً ولا يحس بزواياه وأضلاعه. وذلك لأن المبصر الكثير الأضلاع إذا كان صغير المقدار كانت زواياه صغاراً وإذا كانت زواياه صغاراً ولم يكن الضوء الذي عليه قوياً فإن زواياه تخفى عن البصر وإن لم تخف جملته لصغر الزوايا ولأن المبصرات التي في غاية الصغر تخفى في المواضع المغدرة التي قد تظهر فيها المبصرات المقتدرة الحجم. فإذا كانت زوايا المبصر صغاراً وكانت أقطاره متساوية وكان في موضع شديد الغدرة فإن البصر يدركه مستديراً ولا يحس بزواياه وأضلاعه. وكذلك إن كان سطح المبصر كرياً أو كان فيه تحديب بأي شكل كان وكان تحديبه يسيراً أو كان مقعراً وكان تقعيره يسيراً وأدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة أو في سواد الليل فإنه يدركه مسطحاً ولا يحس بتحديب المحدب ولا تقعير المقعر إذا كان التحديب أو التقعير يسيراً وكان الموضع شديد الغدرة. وإذا أدرك البصر المبصر المضلع مستديراً وأدرك المحدب والمقعر مسطحاً فهو غالط في شكل كل واحد منهما. والغلط في الوضع وفي الشكل وفي هيئات السطوح هي أغلاط في القياس لأن إدراك هذه المعاني إنما تكون بالقياس. وعلة هذه الأغلاط هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال لأن المبصرات المائلة والمضلعة والمحدبة والمقعرة إذا كان الضوء الذي عليها قوياً فإن البصر يدرك وضعها وشكلها ويدرك هيئات سطوحها على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال. الشكل وقد يعرض الغلط في العظم أيضاً من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا نظر في سواد الليل إلى شخص قائم كنخلة أو شجرة أو حائط وكان من وراء ذلك الشخص جبل أو جدار وكان الشخص أقرب إلى البصر من الجبل أو الجدار وكان بين الشخص وبين الجبل أو الجدار بعد مقتدر فإن البصر يدرك ذلك الشخص في سواد الليل كأنه في ضمن ذلك الجبل أو الجدار أو مماس له. وذلك لأن البصر لا يدرك البعد الذي بين الشخص والجبل أو الجدار الذي وراءه في سواد الليل. وإذا كان الشخص أقرب إلى البصر من الجبل أو الجدار فإن البصر يدرك رأس ذلك الشخص مسامتاً لموضع من أعلى الجبل أو الجدار إما ذروته أو موضع من أعلاه ويكون الموضع الذي يدركه البصر من الجبل أو الجدار مع رأس ذلك الشخص أرفع من طول الشخص وربما كان أضعافاً كثيرة لمقدار طول الشخص بحسب البعد الذي بين الشخص وبين الجدار أو الجبل. وإذا أدرك البصر طرف الشخص مع ذروة الجبل أو الجدار أو مع موضع منه أي موضع كان وكان مع ذلك يظن بالشخص أنه مجاور للجبل أو الجدار أو ملتصق به فإنه يظن أن طول الشخص مساو لارتفاع الموضع من الجبل أو الجدار الذي يرى طرف الشخص مسامتاً له وربما أدرك رأس الشخص أرفع من ذروة الجبل أو وإذا ظن البصر أن طول الشخص مساو لارتفاع الجبل أو الجدار الذي يراه من ورائه الذي بينه وبينه مسافة فهو غالط في مقدار طول الشخص أو في مقدار ارتفاع الجبل أو الجدار ويكون هذا الغلط غلطاً في القياس لأن العظم يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في الشخص وفي الجبل أو الجدار الذي وراءه عن عرض الاعتدال بالإفراط في النقصان لأن الشخص الذي بهذه الصفة إذا أدركه البصر في ضوء النهار فإنه يدرك ارتفاعه على ما هو عليه ويدرك ارتفاع الجبل أو الجدار على ما هو عليه ويدرك البعد الذي بينهما على ما هو عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه المبصرات في عرض الاعتدال. ه ز وقد يعرض الغلط في التفرق أيضاً من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن الأخشاب الجسام إذا أراد النجار أن يشق منها ألواحاً فإنه يخط فيها خطوطاً مستقيمة بالسواد في المواضع التي يريد شقها فإذا شقها صارت مواضع الخطوط شقوقاً نافذة. فإذا أدرك البصر جسماً من هذه الأجسام قبل أن تشق وكانت الخطوط مخطوطة فيه وأدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة أو أدركه في الغلس ولم يكن قد تقدم علم الناظر بذلك الجسم فإنه يظن بتلك الخطوط السود أنها تفرق وشقوق وأن ذلك الجسم هو عدة ألواح قد شقت وبعضها منطبق على بعض لأن النجار إذا شق الألواح قد شقت وبعضها منطبق على بعض لأن النجار إذا شق الألواح التي بهذه الصفة فإنه يبقيها على وضعها ولا يفرق بينها إلى وقت الحاجة إليها. وإذا ظن البصر بالجسم الواحد المتصل أنه عدة أجسام مضموم بعضها إلى بعض وأن الخطوط السود التي فيه هي تفرق بين تلك الأجسام إذا كانت واحداً وهو يظنها جماعة. وكذلك إذا أدرك البصر عدة من المبصرات في موضع مغدر شديد الغدرة أو في سواد الليل وكانت تلك المبصرات مظلمة الألوان ومتشابهة الألوان وكانت متضامة ومنطبقاً بعضها على بعض وكان التفرق والتماس الذي بينها ضيقاً خفياً فإن البصر يدرك المبصرات التي بهذه الصفة كأنها جسم واحد متصل ولا يدرك التفرق الذي بينها لأن المعاني الدقيقة والتفرق الخفي الضيق ليس يظهر للبصر في المواضع الشديدة الغدرة وفي سواد الليل. وإذا كانت ألوان تلك المبصرات مظلمة كان جملتها مظلماً ولم تتميز ظلمتها من ظلمة التفرق الخفي الذي في تضاعيفها. وإذا أدرك البصر الأجسام المتفرقة جسماً واحداً متصلاً فهو غالط فيما يدركه من اتصالها وغالط في عددها أيضاً إذا كانت جماعة وهو يظن أنها واحد. وكذلك إذا كانت مبصرات صقيلة شديدة الصقال وكانت متضامة ومماساً بعضها لبعض وكان التفرق بينها ضيقاً خفياً وكانت تلك المبصرات مع ذلك متشابهة في اللون وكانت سطوحها متشابهة الوضع وأشرق على هذه المبصرات ضوء الشمس وكان البصر ينظر إلى هذه المبصرات وضوء ا لشمس منعكس من سطوحها الصقيلة إلى البصر فإن البصر إذا أدرك المبصرات التي بهذه الصفة منعكس من سطوحها إلى البصر فإنه لا يدرك التفرق الذي فيها ويظن بها أنها جسم واحد متصل. وذلك أن سطح المبصر إذا كان صقيلاً وانعكس الضوء منه إلى البصر ليس يدرك صورة ذلك السطح إدراكاً محققاً ولا يدرك المعاني الدقيقة التي تكون في ذلك السطح. فإن كان التفرق الذي بين المبصرات التي بهذه الصفة تفرقاً خفياً ضيقاً فإن البصر لا يدركه لانعكاس الضوء من سطوح تلك المبصرات إلى البصر. وإذا لم يدرك البصر التفرق الذي بين تلك المبصرات فهو يظن بها أنها جسم واحد متصل. وإذا ظن البصر بالأجسام المتفرقة والمتماسة أنها جسم واحد متصل فهو غالط فيما يدركه من اتصالها وغالط في عددها. والغلط في التفرق وفي الاتصال وفي العدد هو غلط في القياس لأن التفرق والاتصال والعدد إنما يدرك بالقياس. وعلة هذه الأغلاط هو خروج الضوء الذي في هذه المبصرات عن عرض الاعتدال بالإفراط في النقصان وفي الزيادة لأن المبصرات التي وصفناها إذا كان الضوء الذي عليها معتدلاً فإن البصر يدرك التفرق الذي فيها ويدرك اتصال المتصل منها ويدرك عددها ويدرك جميع المعاني التي فيها على ما هي عليه ولا يعرض له الغلط في شيء منها إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه المبصرات التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه في عرض الاعتدال. الحركة وقد يعرض الغلط في الحركة أيضاً من أجل نقصان الضوء. وذلك أن البصر إذا أدرك في سواد الليل شخصاً قائماً على وجه الأرض وكان ذلك الشخص ثابتاً في موضعه غير متحرك وكان من وراء ذلك الشخص جبل أو جدار وكان بين ذلك الشخص وبين الجبل والجدار بعد ما ليس بالمتفاوت وكان الشخص في حال إدراك البصر له مسامتاً لطرف الجبل أو الجدار ثم تحرك الناظر نحو الجهة التي فيها ذلك الجبل أو الجدار على مسافة مائلة متباعدة ميلها عن الشخص لا في جهة الشخص وهو مع ذلك يدرك الشخص ويدرك طرف الجبل والجدار المسامت للشخص فإن الناظر إذا تمادى في الحركة على هذه الصفة فإن وضع ذلك الشخص يميل ويصير خط الشعاع المتوهم بينه وبين البصر إذا امتد على استقامة لا ينتهي إلى طرف الجبل أو الجدار بل يكون مفارقاً له. وإذا انتهى البصر إلى هذا الموضع وهو يدرك ذلك الشخص ويدرك طرف الجبل أو الجدار فإنه يدرك بين الشخص وبين طرف الجبل أو الجدار تفرقاً ما وتظهر له السماء من ذلك التفرق. وليس يدرك البصر في تلك الحال حقيقة مقدار البعد الذي بين الشخصين وبين الجبل أو الجدار ولا يدرك حقيقة وضع الشخص من ذلك الجبل أو الجدار وإن لم يكن الشخص متفاوت البعد عن البصر لظلمة الليل وضعف الضوء الذي على وجه الأرض في سواد الليل. ثم إذا تمادى الناظر في الحركة اتسع ذلك التفرق الذي يظهر له بين ذلك الشخص وبين الجبل أو الجدار وأدركه البصر متمادياً في الاتسساع إذا كان الناظر متمادياً في الحركة وهو مستقر في النفس أن الجبل أو الجدار ليس يتحرك. وإذا لم يتقدم علم الناظر بذلك الشخص وثبوته في موضعه فإنه ربما ظن بذلك الشخص أنه متحرك وأن اتساع التفرق الذي يظهر بينه وبين الجبل أو الجدار وتماديه في الاتساع إنما هو للحركة. وإذا أدرك البصر الشخص الساكن متحركاً فهو غالط فيما يدركه من حركته. السكون وقد يعرض الغلط في السكون أيضاً من أجل نقصان الضوء. وذلك أن البصر إذا أدرك في سواد الليل حجر الرحى وهو متحرك فإنه لا يحس بحركته بل يدركه كأنه ساكن. وكذلك إذا أدرك في الليل وفي الغلس جسماً متشابه الأجزاء من بعد وهو يتحرك حركة مستديرة أو يضطرب أو يرتعد فإنه لا يحس بحركته بل يدركه كأنه ساكن. وإذا أدرك البصر الجسم المتحرك ساكناً فهو غالط في سكونه. والغلط في الحركة وفي السكون جميعاً هما غلطان في القياس لأن الحركة والسكون يدركان بالقياس لأن الحركة والسكون يدركان بالقياس. وعلة هذين الغلطين هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال بالإفراط في النقصان لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر في الضوء المعتدل فإنه يدرك حركاتها وسكونها على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيها عرض الاعتدال. الخشونة والملاسة وقد يعرض الغلط في الخشونة والملاسة أيضاً من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصرات التي يدركها البصر في المواضع المغدرة وفي سواد الليل إذا كانت سطوحها خشنة وكانت الخشونة التي فيها يسيرة فإنه لا يدرك خشونتها. وكذلك المبصرات التي في سطوحها ملس صقيلة ليس يدرك البصر ملاستها وصقالها في المواضع المغدرة ولا يفرق البصر بين السطوح الخشنة وبين السطوح الملس إذا أدركها في المواضع المغدرة وفي الغلس وفي سواد الليل. وإذا لم يحس البصر بالملاسة والخشونة فإنه ربما ظن بالأملس أنه خشن وبالخشن أنه أملس إذا شبه ذلك المبصر بمبصر آخر يشبهه في المعاني الظاهرة ويخالفه في الملاسة والخشونة. وإذا ظن البصر بالمبصر الأملس انه خشن فهو غالط في خشونته وإذا ظن بالخشن أنه أملس فهو غالط في ملاسته. وكذلك أيضاً إذا أدرك البصر الجسم المشف وأدرك الضوء من ورائه وكان الضوء الذي يظهر من ورائه يسيراً فإنه يدرك شفيف ذلك الجسم دون شفيفه الحقيقي وإذا أدرك شفيف الجسم دون شفيفه الحقيقي فهو غالط في شفيفه. وإذا أدرك البصر الجسم المشف في موضع مغدر شديد الغدرة فإنه لا يدرك شفيفه وإذا لم يدرك شفيفه فإنه يظنه كثيفاً إذا لم يتقدم علم الناظر بشفيفه. وإذا ظن البصر بالمشف انه كثيف فهو غالط في كثافته. والغلط في الخشونة والملاسة وفي الشفيف والكثافة هي أغلاط في القياس لأن الخشونة والشفيف والكثافة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذه الغلاط على الصفات التي وصفناها هي خروج الضوء الذي في هذه المبصرات عن عرض الاعتدال بالإفراط في النقصان لأن هذه المبصرات إذا أدركها البصر في ضوء معتدل فإنه يدرك الخشونة في الخشن منها ويدرك الملاسة في الأملس منها ويدرك الشفيف في المشف على ما هو عليه ويدرك كثافة الكثيف ولا يعرض له الغلط في شيء من هذه المعاني إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه المبصرات في عرض الاعتدال. الظل وقد يعرض الغلط في الظل أيضاً من اجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك انه إذا كان في بيت من البيوت حائط وكان بعض ذلك الحائط أبيض أو ذا لون مسفر وكان بعضه أسود أو ذا لون مظلم وكان الفصل الذي بين جزءي الحائط الذي بهذه الصفة ممتداً في ارتفاع الحائط وذلك يكون في الحيطان التي توقد النار في فنائها دائماً فيسود بعضها بالدخان.
وإذا كان الحائط الذي بهذه الصفة في صدر بيت وكان باب البيت مقابلاً لذلك الحائط وكان خارج البيت سراج في ظلمة الليل وكان السراج مقابلاً لباب البيت وبعيداً عنه ودخل ضوء السراج من باب البيت وأشرق على ذلك الحائط من بعد وحصل الضوء على بعض الجزء الأبيض وبعض الجزء الأسود وكان الضوء ضعيفاً من أجل بعد السراج ونظر البصر إلى ذلك الحائط الذي بهذه الصفة فإنه ربما ظن بالجزء الأسود الذي عليه الضوء انه ظل إذا لم يكن قد تقدم علم الناظر بسواد ذلك الموضع. وذلك لأن الحائط المقابل لباب البيت قد جرت العادة أن يستظل بالحائط المقابل له الذي فيه باب البيت وإذا كان الضوء الذي على الحائط ضعيفاً فليس يتميز للبصر السواد من الظلمة وخاصة إذا كان الجزء من الحائط المجاور لهذا الجزء أبيض أو مسفر اللون. والبصر من شأنه أن يشبه ما يدركه في الحال بما قد أدركه من أمثاله من قبل فلذلك ربما ظن بالحائط الأسود والمظلم اللون المجاور للموضع الأبيض والمسفر اللون انه مستظل مع إشراق ضوء السراج عليه إذا كان الضوء ضعيفاً وإذا أدرك البصر الجسم المضيء الذي لا ظل عليه مستظلاً فهو غالط فيما يدركه من الظل. وكذلك إذا أدرك البصر في سواد الليل حائطاً أبيض وكان في ذلك الحائط مواضع سود وكان على ذلك الحائط ضوء خفي من ضوء مصباح فإنه ربما ظن بالمواضع السود التي يدركها في ذلك الحائط أنها كوى وثقوب وان السواد الذي يظهر فيها هو ظلمة تلك الثقوب. وإذا ظن البصر بالجسم المصمت الأسود أنه مكان خال مظلم فهو غالط فيما يدركه من ظلمته. والغلط في الظل والظلمة هو غلط في القياس لأن الظل والظلمة تدركان بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال لأن هذه المبصرات إذا أدركها البصر في ضوء معتدل ومن ذلك البعد بعينه فإنه يدركها على ما هي عليه ولا يعرض له الغلط في ظل ما ليس بمستظل ولا في ظلمة ما ليس هو مظلماً إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه المبصرات في عرض الاعتدال. الحسن وقد يعرض الغلط في الحسن أيضاً من أجل خروج الضوء الذي وفي المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الحسن الصورة إذا كانت فيه معان تشينه ولم تكن تلك المعاني بكل الظاهرة بل كان فيها بعض اللطافة أو بعض الخفاء وأدرك البصر ذلك المبصر في الليل وقد أشرق على ذلك المبصر ضوء مصباح ضعيف الضوء فإن البصر يدرك المبصر الذي بهذه الصفة حسن الصورة ولا يدرك شيئاً من معانيه التي تشينه. وأمثال ذلك شخص جوارحه حسنة الصورة في أشكالها وهيئاتها وفيه مع ذلك زرقة في عينيه أو شقرة في شعره أو كلف في وجهه أو آثار قروح أو نمش في بشرته أو مجموع ذلك أو مجموع بعضه. وكل واحد من هذه المعاني يشين صورة الإنسان ويقبح محاسنه. فإذا أدرك البصر إنساناً بهذه الصفة في الليل وفي ضوء مصباح ليس بقوي الضوء فإنه يدرك هيئة أعضائه وأشكال جوارحه المقبولة الحسنة الجملة ولا يدرك مع ذلك ما في جوارحه من الآثار ولا الشقرة والزرقة اللواتي تشينه وتقبح صورته لضعف الضوء ولأن المعاني اللطيفة ليس يدركها البصر إلا في ضوء قوي. وما أكثر ما يستحسن البصر في ضوء السراج إذا كان ضعيفاً وفي المواضع المغدرة أشخاصاً ليست بمستحسنة. وكذلك جميع المبصرات التي محاسنها ظاهرة ومعانيها التي تشينها وتقبحها خفية وليست بكل البينة يدرك البصر محاسنها ولا يدرك مقابحها. وإذا أدرك البصر محاسن الصورة ولم يدرك مقابحها فإنه يدركها حسنة ولا يحكم لها بشيء من القبح. وإذا أدرك البصر الصور المشينة وكذلك إذا أدرك البصر في الليل وفي الضوء الخفي وفي المواضع المغدرة المبصرات التي معانيها الظاهرة قبيحة وغير مستحسنة ومحسنة لجملة الصورة فإنه يدركها قبيحة غير مستحسنة ولا يحكم لها بشيء من الحسن إذا لم يدرك المحاسن اللطيفة التي فيها. وإذا أدرك البصر الصورة الحسنة قبيحة فهو غالط في قبحها. والغلط في الحسن وفي القبح هو غلط في القياس لأن الحسن والقبح يدركان بالقياس ولأن هذا الغلط الذي على هذه الصفة إنما يكون لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها من غير اعتبار بما يجوز أن يخفى في الحال عن البصر من المعاني. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر في الضوء المعتدل فإنه يدرك محاسن المستحسن منها ويدرك معايب المستقبح ولا يعرض له الغلط في حسن المستحسن ولا في قبح المستقبح إذا كانت المعاني الباقية التي في هذه المبصرات في عرض الاعتدال. التشابه والاختلاف وعلى هذه الصفة بعينها قد يعرض للبصر الغلط في التشابه والاختلاف أيضاً. وذلك أن البصر إذا أدرك شخصين في موضع مغدر أو في ضوء سراج ضعيف الضوء وكان ذانك الشخصان متشابهين في المعاني الظاهرة التي هي اللون والشكل والهيئة وأشكال أجزاء المبصر وكان الشخصان مع ذلك مختلفين في معان لطيفة كالزرقة والشهلة والشقرة والنمش والكلف والآثار في أشخاص الناس وكالنقوش والتخاطيط اللطيفة في الثياب والفروش وسائر الآلات وسائر الجمادات فإن البصر يدرك الشخصين الذين بهذه الصفة متشابهين ولا يحكم لهما بشيء من الاختلاف لأنه لا يدرك المعاني اللطيفة التي فيهما في الموضع المغدر وفي الضوء الضعيف التي بها يختلفان. وإذا أدرك البصر الشخصين المختلفين متشابهين على الإطلاق ولم يحكم لهما بشيء من الاختلاف فهو غالط في تشابههما. وكذلك إذا كان الشخصان مختلفين في المعاني الظاهرة أعني في اللون والشكل والعظم وفي الهيئة وفي أشكال الأجزاء وهيئاتها وكانا مع ذلك متشابهين في المعاني اللطيفة فإن البصر إذا أدركهما في موضع مغدر وفي ضوء ضعيف فإنه يدرك الشخصين اللذين على هذه الصفة مختلفين على الإطلاق وغير متشابهين ولا يحكم لهما بشيء من التشابه إذا لم يدرك المعاني اللطيفة التي يتشابهان فيها. وإذا أدرك البصر الشخصين المتشابهين مختلفين ولم يحكم لهما بشيء من التشابه فهو غالط في اختلافهما. والغلط في التشابه والاختلاف هو غلط في القياس لأن التشابه والاختلاف يدركان بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج الضوء الذي في هذه المبصرات عن عرض الاعتدال بالنقصان لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر في ضوء معتدل فإنه يدرك المتشابه منها متشابهاً والمختلف مختلفاً ولا يعرض له الغلط في تشابه المتشابه ولا في اختلاف المختلف إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال. فعلى هذه الصفات وأمثالها يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج الضوء الذي في المبصرات عن عرض الاعتدال. غلط البصر في القياس من أجل خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال البعد فأما كيف يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال فكالمبصرين اللذين يكونان على وجه الأرض ويكون بعدهما عن البصر بعداً مقتدراً ويكونان متجاورين ويكون بعد أحدهما عن البصر يزيد على بعد الآخر بمقدار يسير ليس له قدر محسوس عند جملة البعد وتكون المسافة من الأرض المسامتة لبعد المبصرين من المسافات التي يدركها البصر ويتيقن مقدارها إلا أنها تكون من أعظم المسافات التي يتيقن البصر مقاديرها ولا تكون من أصغرها. فإن البصر إذا أدرك المبصرين اللذين بهذه الصفة فإنه يدرك بعديهما متساويين ولا يحس بالاختلاف الذي بين بعديهما إذا كان الاختلاف يسيراً ليس له قدر محسوس عند جملة البعد وإن كان بعداهما من الأبعاد المعتدلة المتينة المقدار. وذلك لأن البعد المعتدل المتيقن المقدار هو الذي يخفى عند آخره مقدار له محسوس النسبة إلى جملة البعد. وإذا كان ذلك كذلك فقد يخفى من البعد المعتدل مقدار ليس نسبته محسوسة إلى جملة البعد. فإذا كان البعد المعتدل من أعظم الأبعاد المعتدلة فإن الجزء منه الذي ليس له قدر محسوس عند جملته إذا كان في طرفه الأبعد فقد يخفى عن البصر وإن كان ذلك الجزء من المقادير التي يدركها البصر من بعد أقرب من ذلك البعد. فإذا أدرك البصر مبصرين وكان بعداهما من أعظم الأبعاد المعتدلة وكان بعد أبعدهما يزيد على بعد الآخر بمقدار ليس له نسبة محسوسة إلى جملة البعد فإن البصر يدرك ذينك المبصرين متساويي البعد بالاختلاف الذي بين بعديهما. وإذا أدرك البصر البعدين المختلفين متساويين فهو غالط في تساوي بعديهما ويكون هذا الغلط غلطاً في القياس لأن البعد وتساوي الأبعاد يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج مقدار التفاوت الذي بين البعدين عن عرض الاعتدال لأن الاختلاف بين البعدين إذا كان له مقدار مقتدر فإن البصر يدركه ويدرك اختلاف البعدين إذا كانت المعاني الباقية التي في ذينك المبصرين وفي بعديهما في عرض الاعتدال. الوضع وقد يعرض الغلط في وضع المبصر أيضاً من أجل خروج حجمه عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر إذا كان في غاية الصغر وكان في مقدار الخردلة أو قريباً منها وكان سطحه مع ذلك مسطحاً فإن البصر إذا أدرك المبصر الذي بهذه الصفة وكان سطحه مائلاً عن خطوط الشعاع ميلاً يسيراً فإن البصر لا يدرك ميله ولا يفرق بين وضعه إذا كان مائلاً ميلاً خفياً وبين وضعه إذا كان مواجهاً بل إنما يدركه في الحالتين كأنه مواجه. وذلك أنا إذا توهمنا الخط المستقيم المعترض الذي يمر بوسط نهاية السطح المبصر الذي في غاية الصغر الذي هو السطح المائل على خطوط الشعاع ويكون هذا الخط عموداً على السهم المشترك وهو الخط الذي يحد سمت المواجهة فإن بعدي طرفي نهاية السطح المائل عن هذا الخط المعترض يكون كل واحد منهما في غاية الصغر. وإذا كان ميل هذا السطح يسيراً وكان مقدار المبصر في غاية الصغر كان مجموع هذين البعدين في حد من الصغر ليس للحس قدرة على إدراكه وإن كان المبصر على وجه الأرض وكان بعده مسامتاً لأجسام مرتبة وكان بعده عن البصر من الأبعاد المعتدلة. ومجموع هذين البعدين هو يساوي على التقريب لاختلاف بعدي طرفي المبصر الذي بهذه الصفة عن البصر. وميل المبصر إنما يدركه البصر من إدراكه لاختلاف بعدي طرفيه. فإذا كان اختلاف بعدي طرفي المبصر غير محسوس فليس يدرك البصر ميل ذلك المبصر. فإذا أدرك البصر المبصر الصغير الحجم الذي على هذه الصفة التي وصفناها فليس يدرك ميله ولا يفرق بين وضعه المائل وبين الوضع المواجه. وإذا توهمنا هذا المبصر ممتداً في جهة التباعد والتقارب ومتزيداً في السعة فإن طرفيه يبعدان عن الخط المعترض ويتزيد بعدهما بتزيد المبصر. وإذا بعد طرفا المبصر الذي بهذه الصفة عن الخط المعترض فسينتهيان إلى حد يصير مجموع البعدين بل كل واحد منهما محسوس القدر من ذلك البعد بعينه الذي لوسط المبصر الذي لا يدرك منه البصر مجموع بعدي طرفي المبصر الذي في غاية الصغر. ومجموع بعدي طرفي السطح المائل هو اختلاف بعدي طرفي المبصر على التقريب. فإذا كان المبصر مقتدر الحجم وكان سطحه مائلاً عن سمت المواجهة فقد يدرك البصر ميله وإن كان ميله مساوياً لميل المبصر الذي في غاية الصغر الذي لا يدرك البصر ميله. فإذا كان المبصر في غاية الصغر وكان سطحه مسطحاً وكان سطحه المسطح مائلاً عن سمت المواجهة ميلاً يسيراً فإن البصر ليس يدرك ميله في أكثر الأحوال وإنما يدركه كأنه مواجه للبصر. وإذا أدرك البصر المبصر المائل مواجهاً ولم يفرق بين ميله وبين مواجهته فهو غالط في وضعه. والغلط في الوضع هو غلط في وضعه. والغلط في الوضع هو غلط في القياس لأن الوضع يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج مقدار حجم المبصر عن عرض الاعتدال لأن المبصر المقتدر الحجم الذي ميله مثل ميل المبصر الصغير الحجم إذا أدركه البصر من بعد معتدل مساو للبعد الذي لا يدرك منه ميل المبصر الصغير الحجم فإنه يدرك ميله على ما هو عليه ولا يعرض له الغلط في وضعه إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال كما تبين من الشرح الذي شرحناه الآن. الشكل وقد يعرض الغلط في شكل المبصر أيضاً من أجل خروج حجمه عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الذي في غاية الصغر كالذرة والخردلة أو ما جرى مجراهما في الصغر وبالجملة أصغر المقادير التي يدركها البصر إذا كان في المبصر منها تضاريس وزوايا فإن البصر ليس يدرك التضاريس والزوايا التي تكون فيها وإن كان يدرك جملتها إذا كانت جملة المبصر من أصغر المقادير التي يدركها البصر. وذلك لأن المبصر إذا كان من أصغر المقادير التي يدركها البصر فأجزاؤه وخاصة الصغار منها هي من المقادير التي لا يدركها البصر. وإذا لم يدرك البصر الزوايا والتضاريس التي في المبصر فليس يدرك شكله على ما هو عليه وإنما يدركه مستديراً أو مستطيلاً أو على شكل لا زوايا له ولا زوائد جسماً كان المبصر أو سطحاً من سطوح الأجسام. وكذلك إن كان في سطح المبصر الذي بهذه الصفة تحديب يسير أو تقعير فإنه يدركه مسطحاً ولا يتحقق هيئة سطحه ولا يفرق بين سطح المحدب والمقعر إذا كان في غاية الصغر وبين السطح المسطح. وإذا أدرك البصر شكل المبصر على خلاف ما هو عليه فهو غالط في شكله والغلط في الشكل على هذه الصفة هو غلط في القياس. وعلة هذا الغلط هو خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال لأن المبصر إذا كان مقتدر الحجم فإن البصر يدرك شكله على ما هو عليه ويدرك ما فيه من الزوايا والزوائد ولا يعرض له غلط في شكله إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال. الغظم وقد يعرض الغلط في عظم المبصر أيضاً من أجل خروج عظم المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا أدرك مبصرين من المبصرات معاً وكان المبصران مختلفين في المقدار إما في طوليهما أو في عرضيهما أو في الطول والعرض معاً وكان الاختلاف الذي بينهما يسيراً فإن البصر ربما ظن بالمبصرين اللذين بهذه الصفة أنهما متساويا المقدار وأنه ليس بينهما اختلاف في مقداريهما وذلك لصغر مقدار الاختلاف الذي بين مقداري المبصرين اللذين في غاية الصغر. والبصر ليس يدرك الاختلاف الذي بين المقادير إلا إذا كان الاختلاف مقتدر الحجم وكان مع ذلك مقتدر النسبة إلى كل واحد من المقدارين. وكذلك ليس تتحقق مقادير الأجسام إلا بعد أن تقاس بمقياس. ولو كان تساوي المقادير واختلافها ومقادير اختلافها يدركها البصر إدراكاً محققاً لا يقع فيه غلط على تصاريف الأحوال لاستغني عن تقدير الأجسام بالمقاييس. وإذا أدرك البصر المبصرين المختلفين متساويين فهو غالط في مقداريهما أو في مقدار أحدهما. والغلط في المقدار هو غلط في القياس. وعلة هذا الغلط هو خروج مقدار الاختلاف الذي بين المبصرين عن عرض الاعتدال بالتفاوت في الصغر لأن المبصرين المختلفين إذا كان الاختلاف الذي بين مقداريهما مقتدر المساحة فإن البصر يدرك الاختلاف الذي بينهما إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال. التفرق وقد يعرض الغلط في التفرق أيضاً من أجل الصغر المفرط. وذلك أن الإناء الزجاج إذا كان خالياً وكان باطنه شعرة سوداء ملتصقة بجسم الإناء ونظر البصر إلى الإناء فإنه ربما ظن بالشعرة أنها صدع في الزجاج إذا لم يكن قد تقدم علمه بأنها شعرة. وإنما يعرض له لهذا الغلط لفرط دقة الشعرة لنه إذا كان مكان الشعرة جسم غليظ مقتدر الحجم ملتصق بالإناء من باطنه فليس يظنه البصر صدعاً في الزجاج. وإذا ظن البصر بالإناء الصحيح أنه مصدوع فهو غالط فيما يظنه من انصداعه. وقد يعرض الغلط في الاتصال أيضاً من أجل صغر الحجم وذلك أن الأجسام المتضامة المنطبق بعضها على بعض ربما كانت الفصول التي بينها في غاية الصغر غلا تظهر للبصر ولا يحس بها البصر كأوراق الدفاتر إذا كانت مخزومة مهندمة الحواشي فإن الفصول التي بين كل ورقتين منها ليس يدركها البصر في الأكثر لدقتها وضيقها ويظهر سمك جملة الأوراق إذا كان مهندماً بعضها على بعض كأنها جسم واحد متصل. فإذا أدرك البصر سمك الأوراق التي بهذه الصفة وكانت جملة الدفتر التي تلك أراقه مستتراً ولم يكن قد تقدم علم الناظر في ذلك الموضع بشيء من الدفاتر فإن البصر إذا أدرك سمك أوراق التي بهذه الصفة فإنه يظن أنها جسم واحد متصل ولا يشك في ذلك إذا لم يكن قد تقدم علم الناظر بحال تلك الأوراق بعينها. وذلك إنما هو للتفاوت المفرط في دقة الفصول التي بين الأوراق إذا كانت شديدة الالتصاق بعضها ببعض. وإذا أدرك البصر الأوراق الكثيرة المتضامة كأنها جسم واحد متصل ولم يحس بمواضع انفصال بعضها من بعض فهو غالط فيما يدركه من اتصالها وغالط في عددها أيضاً. والغلط في التفرق والاتصال وفي العدد هي أغلاط القياس لأن التفرق والاتصال والعدد يدرك بالقياس. وعلة هذه الأغلاط هو خروج مواضع التفرق عن عرض الاعتدال بالإفراط في الدقة لأن هذه المبصرات إذا كان التفرق الذي بينها والأجسام الدقاق التي تشبه التفرق مقتدرة المقدار فإن البصر يدركها على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال. الحركة وقد يعرض الغلط في الحركة أيضاً من أجل الصغر المفرط. وذلك أن البصر إذا أدرك مبصرين متحركين على مسافتين متشابهتين وقطع المبصران في زمان واحد جزء ين من المسافتين المتشابهتين وكان الجزءان اللذان قطعهما المبصران المتحركان يختلفان بمقدار يسير في غاية الصغر بالقياس إلى جملة كل واحد من ذينيك الجزء ين فإن البصر يدرك الحركتين اللتين بهذه الصفة متساويين ولا يشك في أن المتحركين الذين بهذه الصفة متساويا الحركة وحركتاهما مع ذلك مختلفتان لصغر التفاضل الذي بين المسافتين اللتين قطعهما ذانك المتحركان. وإذا أدرك البصر الحركتين المختلفتين متساويتين فهو غالط في تساويهما والغلط في الحركات وفي تساوي الحركات واختلافها هو غلط في القياس لأن الحركات وتساويها واختلافها يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج التفاضل الذي بين المسافتين اللتين قطعهما المتحركان في زمان واحد عن عرض الاعتدال. لأن المتحركين اللذين يقطعان مسافتين متشابهتين في زمان واحد إذا كان التفاضل الذي بينهما مقتدر المساحة فإن البصر يدرك اختلاف حركتيهما ولا يشتبه عليه ذلك إذا كانت المعاني الباقية التي في تينك المسافتين وفي ذينك المتحركين في عرض الاعتدال. السكون والحركة وقد يعرض الغلط في السكون أيضاً من أجل الصغر المفرط. وذلك أن البصر إذا أدرك بعوضة أو ذرة وكانت تلك البعوضة أو تلك الذرة في غاية الصغر وكانت ثابتة في موضع واحد وكانت تلك البعوضة أو تلك الذرة مع ذلك تحرك أعضاءها أو شيئاً من أعضائها فإن البصر ليس يدرك أعضائها في أكثر الأحوال. وإذا لم يدرك البصر حركة أعضائها وكانت ثابتة في موضع واحد فإنه يظنها ساكنة. وإذا أدرك البصر الحيوان المتحرك ساكناً فهو غالط فيما يدركه من سكونه ويكون ذلك غلطاً في القياس لأن السكون يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو صغر أعضاء البعوض والذر وخروجها عن عرض الاعتدال بالإفراط في الصغر لأن الحيوان المقتدر الحجم الذي أعضاؤه ولا تشتبه حركتها عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك الحيوان في عرض الاعتدال. الخشونة والملاسة وقد يعرض الغلط في الخشونة والملاسة من اجل الصغر المفرط وذلك أن المبصر إذا كان في غاية الصغر كالبعوض أو عضو من أعضاء البعوض أو الذرة أو جزء من الذرة فإن البصر إذا أدرك المبصر من هذه المبصرات فإنه لا يحس بهيئة سطحه ولا بخشونته إن كان خشناً ولا بملاسته إن كان أملس لأن الخشونة والملاسة إنما يدركها البصر من إدراكه لأجزاء السطح وإدراكه لاختلاف وضع أجزائه أو تشابه أوضاعها أو من إدراكه لاختلاف صورة الضوء الذي يظهر في السطح أو تشابه صورته. وإذا كان المبصر في غاية الصغر فليس يدرك البصر أجزاء سطحه وإذا لم يدرك البصر أجزاء السطح فليس يحس بخشونته ولا بملاسته فإن ظن البصر بشيء وإذا كان ذلك كذلك فالبصر قد يغلط في خشونة ما هذه صفته من المبصرات وفي ملاسته إذا حدس على خشونته وملاسته فيكون غلطه غلطاً في القياس لأنه ليس يحدس البصر على خشونة شيء من الأشياء ولا على ملاسته إلا بأمارة يستدل بها على ما يظنه من خشونة ذلك المبصر أو ملاسته أو من تشبيهه بغيره من المبصرات الخشنة أو الملس. وعلة هذا الغلط إذا عرض للبصر إنما هو الصغر المفرط لأن المبصر إذا كان مقتدر الحجم فإن البصر يدرك خشونته وملاسته على ما هي عليه إذا كانت المعاني التي فيه عرض الاعتدال. الشفيف فأما الشفيف فإن المبصر إذا كان في غاية الصغر وكان ذلك من الأحجار وكان لونه شبيهاً بلون الأحجار المشفة فإن البصر ربما ظنه من جملة الأحجار المشفة وإن لم يكن مشفاً إذا كان لونه وصورته تشبه الأحجار المشفة المتلونة كالجواهر المشفة. وإنما يتم على البصر هذا الغلط إذا لم يتمكن من استشفاف ذلك المبصر لصغر حجمه المفرط في الصغر وإذا لم يتمكن من استشفافه وعول على المعاني الظاهرة التي هي اللون والصقال الذي يشبه ألوان الجواهر المشفة وصقالها ظنه من جملة الأحجار المشفة. وقد يعرض الغلط في الكثافة أيضاً من أجل الصغر المفرط. وذلك ان المبصر إذا كان في غاية الصغر وفي مقدار جزء من أجزاء الخردلة وكان فيه شفيف يسير وكان لونه قوياً وكان مع ذلك منكسفاً وكان على وجه الأرض فإن البصر إذا أدرك المبصر الذي بهذه الصفة وهو على وجه الأرض أو على جسم من الأجسام الكثيفة فإنه لا يدرك الشفيف الذي فيه لأنه إذا كان وراءه جسم كثيف فليس يظهر الضوء من ورائه. وإذا كان في غاية الصغر وكان مع ذلك قوس اللون فإن لون الجسم الذي وراءه والذي تحته إن كان يشف من ورائه فليس يتميز للبصر لونه من لون ذلك الجسم إذا كان الجسم في غاية الصغر. فليس يدرك البصر شفيف الجسم المفرط الصغر إذا كان مشفاً في أكثر الأحوال وكان مع ذلك متلوناً وإذا لم يظهر شفيف الجسم وكان الجسم متلوناً وكان لونه منكسفاً وكان البصر يدركه ويدرك لونه فإن البصر يدركه كثيفاً. وإذا أدرك البصر المبصر المشف كثيفاً فهو غالط فيما يظنه من كثافته. والغلط في الشفيف وفي الكثافة هما غلطان في القياس لأن الشفيف والكثافة يدركان بالقياس. وعلة هذين الغلطين على الوجوه التي وصفناها هو الصغر المفرط المانع للبصر من تأمل أحوال المبصرات التي بهذه الصفة لأن المبصر إذا كان مقتدر الحجم فإن البصر يدرك شفيفه إذا كان مشفاً ويدرك كثافته إذا كان كثيفاً إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال. الظل والظلمة وقد يعرض الغلط في الظل والظلمة أيضاً من أجل الصغر المفرط على وجه من الوجوه. وذلك أن الحيطان البيض والأبواب والأخشاب إذا كان فيها نقط سود أو منكسفة اللون ربما ظنها البصر ثقوباً صغاراً دقاقاً وإذا كانت سوداً بذلك السواد أنه ظلمة دواخل تلك الثقوب وإذا كانت منكسفة الألوان ولم تكن شديدة السواد وكان على سطح ذلك الجسم ضوء قوي ظن بذلك اللون أنه دواخل الثقوب لن الضوء لا يصل إلى دواخل الثقوب في أكثر الأحوال. وإذا أدرك البصر النقط التي بهذه الصفة وظن أنها ثقوب وأن سوادها إنما هو ظلمة وأن ما كان منها منكسف اللون فهو للظل الذي في داخلها فإنه غالط فيما يظنه من الظل والظلمة على هذه الصفة. ويكون غلطه غلطاً في القياس لأن الظل والظلمة تدركان بالقياس. وعلة هذا الغلط هو صغر مقادير تلك النقط لأن النقط التي تكون في سطوح الأجسام إذا كانت مقتدرة الحجم فإن البصر يدركها نقطاً ولا يعرض الغلط فيها إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال. الحسن والقبح وقد يعرض الغلط في الحسن والقبح أيضاً من أجل الصغر المفرط. وذلك ان المبصر إذا كان في غاية الصغر وكان شكله شكلاً مستقبحاً وكان ذا زوايا وزوائد في غاية الصغر أو كانت فيه معان لطيفة في غاية الدقة من وشوم ونمش ومسامير وأجزاء متميزة وكانت تلك الزوايا وتلك الزوائد وتلك المعاني اللطيفة تقبح صورته وتشينه وكانت تلك الزوايا والزوائد والمعاني اللطيفة التي تشينه تخفى عن البصر لفرط صغرها ودقتها فإن البصر يدرك شكل المبصر وصورته على خلاف ما هي عليه ولا يدرك المعاني اللطيفة التي تكون فيه التي هو بها مستقبح. وإذا لم يدرك البصر المعاني اللطيفة التي من أجلها تقبح صورة ذلك المبصر فليس يدرك البصر قبح ذلك المبصر. فإذا كان ما يظهر من شكل ذلك المبصر وما يظهر من لونه ومن جملة صورته مستحسناً فهو يدرك ذلك المبصر مستحسناً. وإذا أدرك البصر المبصر القبيح مستحسناً فهو غالط فيما يدركه من حسنه. وكذلك إذا كان المبصر في غاية الصغر وكان ظاهر صورته مستقبحاً وكانت فيه معان لطيفة تحسن صورته وكان البصر لا يدرك تلك المعاني اللطيفة لفرط صغرها فإن البصر يدرك المبصر مستقبحاً. وإذا كان ذلك المبصر حسن الصورة بما فيه من المعاني اللطيفة وكان ظاهر صورته مستقبحاً وكان البصر يدرك صورته ولا يدرك المعاني اللطيفة التي فيه ويظن من اجل ما يظهر من صورته انه قبيح الصورة فهو غالط فيما يظنه من قبحه. والغلط في الحسن والقبح هو غلط في القياس لأن الحسن والقبح يدركان بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو الصغر المفرط لأن البصر المقتدر الحجم ليس يخفى عن البصر محاسنه ومقابحه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال. التشابه والاختلاف وقد يعرض الغلط في التشابه والاختلاف أيضاً من أجل الصغر المفرط على هذا الوجه. وذلك أن المبصرين إذا كانا في غاية الصغر وكانا متساويين فيما يظهر من صورتيهما وكان فيهما مع ذلك معان في غاية اللطافة يختلفان فيها وكان البصر لا يدرك المعاني اللطيفة التي في ذينك المبصرين التي بها يختلفان لفرط صغرها ولطافتها ويدرك ظاهر الصورتين فإن البصر يظن بذينك المبصرين أنهما متشابهان ولا يحكم لهما بشيء من الاختلاف. وإذا أدرك البصر المبصرين المختلفين متشابهين فهو غالط في تشابههما. وكذلك إذا كان المبصران مختلفي الصورتين فيما يظهر من صورتيهما وكان فيهما مع ذلك معان لطيفة يتشابهان فيها وكان البصر لا يدرك تلك المعاني الطيفة لفرط دقتها ولطافتها ويدرك ظاهر الصورتين فإن البصر يظن بذينك المبصرين أنهما مختلفان ولا يحكم لهما بشيء من التشابه.
وإذا أدرك البصر المبصرين المتشابهين مختلفين على الإطلاق فهو غالط فيما يظنه من اختلافهما. والغلط في التشابه والاختلاف هو غلك في القياس لأن التشابه والاختلاف يدركان بالقياس ولأن هذا الغلط هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو الصغر المفرط لن المبصرين إذا كانا مقتدري الحجم وكانا متشابهين أو مختلفين بمعان لطيفة تكون فيهما نظيرة للمعاني التي تكون في المبصر الذي في غاية الصغر ومناسبة للمبصر المقتدر الحجم فإن البصر يدرك تشابه المتشابهين فيهما ويدرك اختلاف المختلفين إذا كانت المعاني الباقية التي فيهما في عرض الاعتدال. فعلى هذه الصفات وأمثالها يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج حجم المبصر عن عرض الاعتدال أو خروج حجم المعاني التي في المبصر عن عرض الاعتدال.
|